İçindekiler
سؤال: تؤكّد السنَّة النبوية على إعطاء كلِّ ذي حقٍّ حقّه، فما السبيل إلى تحقيق التوازن والاعتدال في هذا الأمر؟
الجواب: ورد في هذا السياق حديثان يحملان نفس المعنى؛ أحدهما رواه سيدنا عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، فقال: أُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي أَقُولُ: وَاللَّهِ لَأَصُومَنَّ النَّهَارَ، وَلَأَقُومَنَّ اللَّيْلَ مَا عِشْتُ، فَقُلْتُ لَهُ: قَدْ قُلْتُهُ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي قَالَ: “فَإِنَّكَ لَا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ، فَصُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ، وَصُمْ مِنَ الشَّهْرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنَّ الحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَذَلِكَ مِثْلُ صِيَامِ الدَّهْرِ“، قُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: “فَصُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمَيْنِ“، قُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: “فَصُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا، فَذَلِكَ صِيَامُ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَهُوَ أَفْضَلُ الصِّيَامِ“، فَقُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ “لَا أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ“[1].
أما الحديث الآخر فقد جاء فيه أن النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخى بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ، فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً، فَقَالَ لَهَا: مَا شَأْنُكِ؟ قَالَتْ: أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا، فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا، فَقَالَ: كُلْ؟ قَالَ: فَإِنِّي صَائِمٌ، قَالَ: مَا أَنَا بِآكِلٍ حَتَّى تَأْكُلَ، قَالَ: فَأَكَلَ، فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُومُ، قَالَ: نَمْ، فَنَامَ، ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ فَقَالَ: نَمْ، فَلَمَّا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ قَالَ سَلْمَانُ: قُمِ الآنَ، فَصَلَّيَا فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “صَدَقَ سَلْمَانُ“[2].
إن هذه الأحاديث وأمثالها لتشير إلى المهام التي ينبغي للإنسان أن يقوم بها، والحقوق التي يجب عليه أن يراعيها.. فحقُّ الله، وحقُّ الوالدين، وحق الزوجة، وحق الأبناء، وحق الأقارب المحتاجين إلى الرعاية، وحق الذين يدخلون تحت وصايتنا ونقوم على حمايتهم؛ كلها حقوق أساسية تقع على عاتقنا، فمن المهم أن يعطي المؤمن كلَّ ذي حقّ حقّه، وأن يراعي التوازن والاعتدال قدر المستطاع.
حقّ الذات الإلهية
وليست الحقوق التي تقع على كاهل الإنسان على درجةٍ متساوية من الأولويات، فلا جرم أن حقّ الذات الإلهية يأتي على رأس جميع الحقوق، فهو سبحانه وتعالى الذي أخرجنا إلى الوجود بعد العدم، ونفخ فينا من روحه، وخلقنا بشرًا، وزودنا بالعقل والشعور، وفضّلنا على سائر خلقه، وأعزّنا بالإسلام، فلا يوجد حقٌّ يعادل حقَّ الله تعالى، ولو امتدّت بنا الحياة وطالت، وملَأْنا لحظاتها بالعبادة وخدمة الدين؛ فلن نستطيع أن نوفّي ربنا حقّه، فقد ورد في حديث شريف أن جميعَ عباداتِ عبدٍ قضى حياته في طاعة ربّه عزّ وجل، لا تعادل حتى شكر نعمةٍ واحدةٍ مثل البصر[3].
وكما قال سعدي الشيرازي في كتابه “روضة الورد (Gülistan)”: لا بدّ من الشكر مرتين على كل نَفَسٍ؛ لأن الإنسان إن لم يستطع أخْذَ الشهيق مات، وإن لم يستطع إخراج الزفير مات أيضًا، ففي كلِّ نفسٍ يهبنا الله تعالى الحياة مرتين، فإذا نظرنا إلى حقوق الذات الإلهية بهذه النظرة أدركنا كيف أن حقّ الله عبءٌ ثقيلٌ ينوء الإنسانُ بحمله، ولا يُقارَن بأيِّ حقٍّ آخر، وكيف أن عبادة الله مسؤوليّة طبيعية؛ لأن المعبود المطلق الذي نتوجّه إليه وحده بالعبادة؛ هو الله المقصود بالاستحقاق، وهو صاحب الحق الأوحد الجدير بأن يكون غايةَ حياتِنا، ولن نستطيع أن نوفّيَ هذا الحقّ حتى لو استهلكْنا لحظات حياتنا كلّها في سبيله.
ومع ذلك لا يكلّفنا الحقُّ سبحانه وتعالى بأداء ما يوازي حجمَ نِعَمه علينا، ربما طلب منّا أن نخصّص ساعةً واحدةً من بين أربع وعشرين ساعة في اليوم لعبادته، أو أن نصوم شهرًا واحدًا في السنة، أو أن نُخرج ربعَ العشر زكاةً لأموالنا، أو أن نحجّ مرّةً واحدةً في عمرنا إن استطعنا إلى ذلك سبيلًا.. ألَا فليتحلَّ بالإنصاف مَن يستكثر هذه التكاليف مقابل هذا القدر من نعم الله تعالى علينا!
من جانب آخر: فإن الله تعالى يقلّل من مسؤوليتنا تجاهه، ويخفف من التزاماتنا نحوه عندما يطلب منا الاعتراف بالحقوق الأخرى بجانب حقوقه، ويأمرنا بالوفاء بها، وكأنه تعالى يقول ميسّرًا الأمر لنا: “إنني أرضى عنكم بهذا القدر القليل من العبادة”، فضلًا عن ذلك يعدنا سبحانه بالنعيم الأبدي في الجنة إذا قمنا بواجبنا نحوه، فكلّ هذا مظهرٌ من مظاهر سعة رحمته سبحانه وتعالى بنا.
نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم
ولقد استوعب سادتنا الصحابة رضوان الله عليهم عِظمَ حقّ الله تعالى جيّدًا، فراح معظمهم يؤدّون عبادات إضافية فوق ما افترضه الله تعالى عليهم، بل قرّر بعضهم أن يقوم الليل، ويصوم الدهر، ويهجر الأهل، حتى إن بعضهم اعتزم اللجوء إلى وسائل غير طبيعية من أجل هذا الأمر.. غير أن هذا لم يكن نهج نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فقد كان صلى الله عليه وسلم بجانب عبادته لربه بالمعنى الكامل يعتني بأهله، ويقضي حوائج أصحابه، ويعالج مشاكل المجتمع.
كان عليه الصلاة والسلام يخطّط لوقته جيدًا، ويدبّر أموره جيدًا، ويرتب أعماله جيدًا، ويقوم بجميع الأعمال الملقاة على عاتقه دون نقصٍ أو قصور، إلا أن الصحابة الكرام رضوان الله عليهم كانوا ينظرون إلى المسألة نظرةً أخرى، فكانوا يقولون: “أينَ نحنُ مِن رسولِ اللَّهِ وقد غَفرَ اللَّهُ له ما تقدَّمَ من ذنبِهِ وما تأخَّرَ؟” وكأنهم يقولون: لسنا مثلَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فسيحاسبنا ربنا على كل شيء، فيجب أن نزهد في الدنيا، ونقضي حياتنا في العبادات والطاعات.
لكن هذا التفكير منهم يخالف سنة الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم، فلقد أتى الرسول صلى الله عليه وسلم بدِينٍ صالحٍ للمعايشة والتطبيق بسهولةٍ ويسرٍ، فحتى لو كانوا يطيقون اليوم فِعل هذا فسيشقّ عليهم ذلك عندما يشيخون ويتقدم بهم السنّ.. ففي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصى سيدنا عبد الله بن عمرو بن العاص بالتخفيف على نفسه في صوم النافلة، لكنه أصرّ على فعله، وقال إنه يقوى على أكثر من ذلك، فلما كبر وتقدّم به العمر قال: “وَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ قَبِلْتُ رُخْصَةَ نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ”[4]، لقد كان رضي الله عنه من أعبد الصحابة رضوان الله عليهم، لكن لما تقدم به السن شقّ عليه أداء العبادة كما في السابق، ومع ذلك لم يرغب في أن ينقطع عن العبادات التي كان يؤدّيها من قبل.
ومع أن هذه هي الحقيقة والطريق الأوسط؛ إلا أننا لا ينبغي أن نسيء فهمَ وتقديرَ موقف الصحابة الذين يفكرون على النحو الذي ذكرناه سلفًا، وليس من الصواب أن نظنّ بانحرافهم عن المنهج، فقد كانت غايتهم أن يبذلوا كل ما في وسعهم في أداء العبادة التي هي السبيل لتحقيق هذه الغاية.. وقد كانت مثابرتهم وتصميمهم قائمةً على فكرة أداء حقّ الله تعالى، وبهذه الطريقة اعتقدوا أنهم لن يتخلّفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الشأن، لكنهم لم يقدروا على الحفاظ على التوازن والاعتدال في الأمر مثل نبيهم الذي كان يوصيهم باتباع الطريق الفطري السليم.
فمفهوم الأحاديث السابقة هو: “إن لربّك عليك حقًّا، ولنفسك عليك حقًّا، ولبدنك عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقًّا، فأعط كلّ ذي حقّ حقّه”.. يُستنبط مِن هذا أنه كما لا يصحّ للمؤمن أن يخلّ بأمرٍ من أوامر الدين، فكذلك ينبغي له أن يراعي حق نفسه وحق أهله… إلخ.
يجب أن تكون غاية المؤمن عدمَ التغافلِ عن أداء الحقوق، فلا يتعارض حقٌّ مع حقٍّ آخر، ولا تعوق العبادة والطاعة لله عن أداء حقّ النفس، وحقّ الأهل، وحقّ الأبناء.. ولا يصح أن تكون الخدمة في سبيل الله مبرّرًا لانتهاك حقوق الوالدين؛ لأن الله تعالى أوصى بالإحسان إلى الوالدين بعد الأمر بعبادته، قال تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ (سورة الإِسْرَاءِ: 17/23)، فإذا ادعى أحدٌ الخدمة والعبادة لتبرير إهماله وكسله، وأخلّ بحقوق والديه وزوجه وأولاده؛ فجرمه أكبر وذنبه أعظم؛ إذ لا بد من الإنصاف والتوازن في هذا الأمر.
فرغم قوة الصلة بين النبي صلى الله عليه وسلم وربه سبحانه وتعالى، وحجم مسؤوليته، وعِظَم الوظيفة المكلّف بها وخطورتها وحساسيتها؛ لم يُهمل صلى الله عليه وسلم حتى الأمور التي تبدو فرعية بالنسبة لنا في مراعاته حقوق الأسرة، فكان كلّ يومٍ يمرّ بأزواجه الطاهرات بعد صلاة العصر، ويسألهن عن حالهن، ويلبّي احتياجاتهنّ.
والمثال التالي يدلنا على مدى حساسية النبي صلى الله عليه وسلم في رعايته للحقوق: في مرض وفاته طلب النبي صلى الله عليه وسلم أن يُمرّض في بيت السيدة عائشة رضي الله عنها، ولعل ذلك يرجع إلى أن أمّنا عائشة رضي الله عنها كانت لها حظوة خاصّة عند ربها وخصوصية معينة عند نبيها صلى الله عليه وسلم، لقد كان عليه الصلاة والسلام في صحته يبيت كلَّ ليلةٍ عند واحدة من زوجاته، ولا يهضم حقّ إحداهن، لكنه كانَ يَسْأَلُ في مَرَضِهِ الذي مَاتَ فِيهِ؛ يقولُ: أيْنَ أنَا غَدًا؟ أيْنَ أنَا غَدًا؟ يُرِيدُ يَومَ عَائِشَةَ، فأذِنَت له زوجاته أن يَكون حَيْثُ شَاءَ[5]..
يا سبحان الله! ما هذه الحساسية! علمًا بأنه لا يحقّ لأحدٍ أن يدّعي حقًّا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بما في ذلك زوجاته رضوان الله عليهن، فله صلى الله عليه وسلم اليد العليا على كلّ فرد من أفراد الأمة؛ فلولاه ما بلغ أبو بكر ذروة الإيمان، ولا أصبحت عائشةُ عائشةَ، ولا سلك الآخرون طريق الهداية، كما يقول الشاعر الإسلامي محمد عاكف: كل البشرية مدينة لهذا المعصوم صلى الله عليه وسلم.
كذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يراعي حق أولاده متوخّيًا المزيد من الحساسية والحيطة، فقد رُوِيَ أن فَاطِمَةَ اشْتَكَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهَا مِنَ الْعَجِينِ وَالرَّحَى، قَالَ: فَقَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْيٌ، فَأَتَتْهُ تَسْأَلُهُ خَادِمًا، فَلَمْ تَجِدْهُ وَوَجَدَتْ عَائِشَةَ فَأَخْبَرَتْهَا، قَالَ عَلِيٌّ: فَجَاءَنَا بَعْدَمَا أَخَذْنَا مَضَاجِعَنَا، فَذَهَبْنَا نَتَقَدَّمُ، فَقَالَ: “مَكَانَكُمَا“، قَالَ: فَجَاءَ فَجَلَسَ بَيْنِي وَبَيْنَهَا حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمِهِ، فَقَالَ: “أَلَا أَدُلُّكُمَا عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ تُسَبِّحَانِهِ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَتَحْمَدَانِهِ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَتُكَبِّرَانِهِ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ“[6]، فكما رأينا لم يقصِّر مفخرة الإنسانية صلى الله عليه وسلم في أيّ حقٍّ يدخل ضمن التزاماته، فضلًا عن أداء حقّ النبوة.
الحقوق وتنظيم الأعمال
فلو أنكم نظّمتم أعمالكم، ولم تهدروا أوقاتكم، فستتمكّنون من أداء الحقوق الأخرى المنوطة بكم إلى جانب عباداتكم لربكم وخدماتكم الإيمانية، فإن كنتم تريدون إعطاء كلّ ذي حقّ حقّه فعليكم أن تعيشوا حياتكم على نحوٍ منضبط ومتوازن، لا بدّ من تحديد العمل الذي ستقومون به، والوقت الذي تفعلون فيه؛ حتى لا يُهمل أيُّ واجب، ويجب أن تستغلّوا أوقاتكم جيدًا دون أن تضيعوا ثانية واحدة حتى يكون لديكم وقتٌ للأعمال الأخرى، فمثلًا إذا كنتم تتشاورون في موضوعٍ ما فلا تهدروا وقتكم في اللغو والهراء، وفكروا مسبقًا فيما تقولون، ودوِّنوا ملاحظاتكم، ولا تتركوا الأمر للارتجال، وإلا جنحتم إلى الاستطراد، وطالت حكاياتكم، واستغرق ما يُحلّ في نصف ساعة وقتًا كبيرًا يصل إلى ساعات، وعندها لن تجدوا وقتًا للقراءة، ولا المشاركة في الجلسات الإيمانية، ولا الاهتمام بعائلتكم، فإن أحسنتم استثمار أوقاتكم تسنّى لكم قراءة كتبكم، وأدركتم أبناءكم قبل أن يناموا، ولم تحرموهم من بسماتكم وبشاشة وجوهكم.
ومن المهم جدًّا لسعادة الأسرة وطمأنينتها أن يجلس أفراد الأسرة، ويتفقوا على قضايا معينة كما لو كانوا يبرمون عقدًا اجتماعيًّا، ويقرّرون متى يفعلون ما يفعلون، ثم يمتثلوا لهذه القرارات، فإن أخلّ أحدهم بحقٍّ من الحقوق سارع إلى أخيه، وبرّر له فعله، وطلب منه السماح، فمثلًا لو جاء الزوج في ساعةٍ متأخّرة إلى البيت، فعليه أن يشرح موقفه لزوجته، ويعتذر لها، ويطلب منها السماح.. وكذلك الزوجة، عليها مراعاة حقوق زوجها، وأداء الوظيفة الملقاة على عاتقها.
ولا يختلف الأمر إذا كان الذي اعتديتم على حقّه خادمًا لكم يلزمكم الإنفاق عليه ورعايته، فلا بد أن تهرولوا إليه وتطلبوا منه السماح والمعذرة، فإن واسيتم أنفسكم ببعض المبررات من قبيل أنها امرأة عادية، أو رجل عادي، أو طفل، أو زوجة، أو زوج، أو أم، أو أب؛ فسترحلون إلى الآخرة وأنتم محمّلون بهذه الحقوق الثقيلة التي قد ترهق عواتقكم، وفي يوم اللقاء الأكبر لن يصغي أحد إلى حكاياتكم التي تختلقونها، ولا يسمع أحد المبررات التي تأتون بها، فهناك كلّ شيء بيِّن وواضح، وستقفون بين يدي ربكم وقد علاكم الخزي والهوان، وإلى أن تأتي اللحظة التي يأخذ فيها كلّ ذي حقّ حقّه ستتعرّضون لأفظع صنوف الخذلان، فتعالوا بنا نؤدِّ الحقوق إلى أصحابها، ولا نذهب بأي حقٍّ علينا إلى الآخرة، ولا نخدع أنفسنا.
[1] صحيح البخاري، الصوم، 54.
[2] صحيح البخاري، الصوم، 50.
[3] الحاكم: المستدرك على الصحيحين، 4/278.
[4] صحيح مسلم، الصيام، 182.
[5] صحيح البخاري، المغازي، 84.
[6] مسند الإمام أحمد، 2/203.