الحماس الديني والطمع

الحماس الديني والطمع
Mp3 indir

Mp4 indir

HD indir

Share

Paylaş

Share

يشارك

سؤال: قد يختلط علينا أحيانًا شعور الحماس الديني والطمع، فهلا تفضّلتم بتوضيح كلا المفهومين!

الجواب: الطمع: هو رغبة مفرِطةٌ في امتلاك الشيء، ومبالغة في الطلب، وعدم الاكتفاء، والنَهمُ، وعدم الرضا بالقدر، وتقديمُ اختيار المرء وإرادتِه على إرادة الله ومشيئته، وهو شعور يتغذّى على مشاعر مثل طول الأمل وتوهّم الأبدية والخلود..

قد يشعر الإنسان بالطمع تجاه أشياء مختلفة، ويرغب بشدَّة في الحصول عليها، ولكن إن لم ينتبه الإنسان فإن هذه الرغبة المفرطة ستحجب العقل وتطمس المنطق والمحاكمة العقلية، وبالتالي تسوقه إلى أفعال وتصرّفات غير منضبطة، ويكون هذا كله سببًا في الفشل والإخفاق، ثم الضرر والخسران، ويعبِّر الأستاذ بديع الزمان سعيد النورسي عن هذا الوضع بعبارة وجيزة مفادها: “الحرص سبب الحرمان”.

والواقع أن شعور الطمع يكمن في كل إنسان، ولكنه يختلف بحسب درجته وشدَّته، المهم هو ضبط هذا الشعور بالمنطق والإرادة، وإرساؤه على أرضية سليمة، وتوجيهه إلى الخير، ولو أن الإنسان شعر بالطمع من حين لآخر في خضمّ مجريات الحياة، وتعثّر ببعض الأشياء، فعليه أن يتحكّم في مشاعره بالمنطق والإرادة، وأن يعرف جيدًا تجاوز هذا الشعور.

فمن الأهمية بمكان أن يحافظ المؤمن على استقامته واعتداله حتى في أكثر المسائل أهمية في الدين، وعلى سبيل المثال؛ فمسألة تبليغ الاسم الإلهي الجليل إلى العالم بأسره إنما هي غاية مثالية، وعمل مقبول لدى الله عز وجل، ولكن التحرّك بشعور الطمع حتى في هذا الأمر محظور، وقد يكون سببًا في خسائر وأضرار شتَّى.. وكما هو الحال في كل أمر، على الإنسان أن يخطو خطواته بتمكين، وأن يحرص على إحراز الأسلوب الصحيح، وألا ينفصل أبدًا عن العقل السليم مهما كانت شدة رغبته وطلبه الشيء، كذلك عليه ألا يتحرّك بشعور الطمع في مسألة الحصول على نتيجة، وألا يغفل بأن الأمر بيد الله تعالى.

لو أن هناك موضعًا يُقبل فيه الطمع، فينبغي أن يكون الحرص على رضا الحق تعالى، والسعي إلى إحرازه، فيمكن للإنسان أن يكون طماعًا في إحراز الإيمان الكامل، والإخلاص الأتم، ومرتبة الرضا، بل وينبغي عليه ذلك.

أمَّا المفهوم الآخر الوارد في السؤال فهو “الحماس الديني”.. وهو بإيجاز: إحياء الإنسان مشاعره الدينية وقيمه المعنوية، وأن يتحلّى باليقظة والاهتمام في الحفاظ عليها وتبليغها للآخرين.. فالإنسان المُزَوَّدُ بالحماس الديني، هو إنسان حريص على إقامة الدين، والعيش به، ولا يتنازل عن ذلك أبدًا، ويتمتّع بوفاءٍ وصدقٍ فوق العادة تجاه الذات الإلهية، كما إنه يحافظ على مقدساته، ويمثّلها، ويكون قدوةً يحتذى بها في هذا الأمر، ولكنه في الوقت نفسه لا يؤذي الآخرين ويجعلهم ينتقدون قيمه، بل ويجن جنونه من مجرد وجود احتمالية لإسناد كلمةٍ غير لائقةٍ وغير مهذّبة في حقّ الذات الإلهية خاصة، فإن حماسًا كهذا يتحرك به الإنسان في مسألة دينه، لا يوفيه أي تقدير أو ثناء مهما كان كبيرًا.

إن أولئك الذين يتمتّعون بالحماس الديني، مُزوَّدون بشدٍّ معنويٍّ كبير، فهم يتعاملون مع المسائل الدينية بحساسية واهتمام شديدين، ويشعرون بهموم الإنسانية جمعاء والمسلمين خاصة وكأنها نارٌ موقدة في نفوسهم، ويشعرون بآلام المسلمين وكأنها حربة غائرة في صدورهم، ويبحثون دائمًا عن حلول بديلة من أجل القضاء على مشكلات هذه الآلام.. بينما الذين لا يتمتعون بالحماس الديني يكون شدّهم المعنوي بنفس القدر، فمن الصعب جدًّا المساهمة في خدمة الإيمان والقرآن مع أناس فاترين خامدين تعرّضت مشاعرهم الدينية للضمور.. فمن لم يجافِه النوم ولو لليلة واحدة بسبب همِّ العالم الإسلامي، ومن لم يهتم بأمر المسلمين، ومن لم يدعُ لأمة محمد صلى الله عليه وسلم عندما يرفع يديه إلى الله بالدعاء، يصعب عليه حقًّا أن يحرز شيئًا من أجل دينه.

وثمة شخص يقول: “سأبلغ قيمي للآخرين مهما كان الثمن!”، فينطلق دون أن يضع في اعتباره مشاعر وأفكار ومعتقدات الآخرين، ولا يراعي ظروف اليوم ولا مجريات الأحداث، فيسلك طريقًا يهدم فيه ما على يمينه وشماله؛ إن هذا ليس حماسًا دينيًّا، ولكنه الطمع المؤدّي إلى الخسران.. فمن يتحركون بشعور الطمع يتصرفون بطريقةٍ تتعارض مع الوضع الراهن، ويتصادمون مع الواقع، فيثيرون -دون أن يدركوا- الثعابين والحيَّات في طريقهم، وينالون في الغالب صفعةً بخلاف ما يرومون إليه.

ولهذا فإن أولئك الذين لديهم حماس ديني، يدركون جيدًا أن المشكلات المتراكمة منذ عصور لا يمكن حلّها بمحاولةٍ واحدةٍ أو بنفخةٍ واحدة، ولهذا ينبغي عليهم أن يتحركوا بتأنٍّ وبصيرة وفراسة، لأن الحق تعالى لم يمنّ حتى على أنبيائه العظام بمثل هذا اللطف.. ولهذا فإن التحرّك بشعور الطمع حتى ولو كان في سبيل إعلاء كلمة الله، والرغبة في رؤية نتائج الجهود المبذولة على وجه السرعة؛ إنما هي خصال لا يحبها الله عز وجل، وقد يتلقّى أصحابُها صفعةَ تأديبٍ من الله عز وجل.. والمنوط بنا في هذه الحالة هو القيام بمهمة التبليغ والإرشاد بتوازن واعتدال وحكمة وفق المنهج النبوي القويم، ثم نؤمن بأنّ الهداية بيد الله تعالى.

خلاصة القول: ينبغي على الجميع أن يُعلوا من شأن نيَّاتهم وأهدافهم من أجل العثور على الحقيقة، والوصول إلى الصراط المستقيم، وأن يتحلّوا بالعزم والتصميم الجاد من أجل تحقيق ذلك.. فإن فعلَ الإنسان هذا، حصل على ثواب النية والسعي حتى ولو لم يصل إلى النتيجة، لأن الله عز وجل لا يقبل الطمع حتى في هذا الأمر، فينبغي أن يكون المرء شديد اليقظة، وألا يخلط الرغبات الشخصية في الأهداف والغايات الدينية.

ربما لا نتصوّر استغراق البعض في مستنقعات الشرك والكفر، وقد نصاب بالدهشة والحيرة من حين لآخر أمام التدبير الإلهي، ورغم كل هذا ينبغي علينا -بعد أن نبذل كلّ ما في وسعنا- أن نقابل التقدير الإلهي بالرضا، وأن نتحلّى بالصبر موفّين إرادتنا حقّها، وإلا طلبنا أشياء تفوق طاقتنا، وأحدثنا خللًا في الأمر، وتجاوزنا الحدّ، ووقعْنا في سوء الأدب مع الله تعالى.