سؤال: رغم أن سيدنا موسى عليه السلام كان مؤيَّدًا بالوحي الإلهي فقد طلب من ربه أن يجعل له وزيرًا، أي مستشارًا ومعاونًا، فكيف نفهم طلبَه هذا؟ وما الأمور التي يجب أن نراعيها عند اختيار المستشار؟
الجواب: كل نبيّ من الأنبياء مرشدٌ عظيم ينبغي اتباعه والاقتداء به والسير على نهجه، وقد أورد القرآن الكريم الكثيرَ من قصص هؤلاء الأنبياء في آيات متعددة، وأمر باتباعهم إما صراحةً أو ضمنًا.
فمثلًا يقول القرآن الكريم عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ (سورة الأَحْزَابِ: 33/21)، ثم يأتي في آية أخرى ويستعمل الحق سبحانه وتعالى التعبير نفسه في حق سيدنا إبراهيم عليه السلام فيقول: ﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ﴾ (سورة الْمُمْتَحَنَةِ: 60/4)، وعليه فإذا كان كل نبي من الأنبياء يمثِّل أسوة حسنة بالنسبة لنا ففي طلب سيدنا موسى عليه السلام من ربه أن يجعل له وزيرًا من أهله دروسٌ وعبرٌ لنا أيضًا.
ولنتناول هذه الحادثة باختصار: فقد أرسل ربُّنا سبحانه وتعالى موسى عليه السلام صاحب الفطنة العالية إلى فرعون محمّلًا برسالةٍ مهمّة، غير أن المخاطب بهذه الرسالة لم يكن فرعون فقط، بل كانت الرسالة تستهدف أيضًا أولئك الذين يتربّعون على قمة نظام الطبقات الذي وضعه فرعون أمثال هامان وقارون، فهامان كان يسعى بكل جهده إلى أن يجد مبررات معقولة لما يفعله فرعون، ويعمل على تخديره وتنويمه بتقديره وثنائه، وقارون كان مغلوبًا وأسيرًا لماله وثروته، أما سيدنا موسى عليه السلام فكان عليه أن يواجه مثل هذه الجمع المعاند، ويبلغهم رسالة ربه التي لم يعرفوها من قبل.
وينبغي ألا ننسى الآثار النفسية التي نتجت عن نشأة موسى في قصر فرعون، فلقد كان موسى عليه السلام ينظر إلى فرعون ومعاونيه على أنهم قادة وإداريون على الدوام، والأكثر من ذلك أن فرعون كان يعامل موسى عليه السلام وكأنه ابنه أو أخوه الأصغر، ومن ناحية أخرى كان بنو إسرائيل يتبوؤون الطبقة الأدنى في النظام الطبقي الذي وضعه فرعون، وموسى عليه السلام وإن كان قد نشأ وترعرع في قصر فرعون فمن المحتمل أنه كان يلقى هذه المعاملة الدُّنيا نفسها على اعتبار أنه ليس من سلالة فرعون.
وهكذا فإننا إذا وضعنا في اعتبارنا كلَّ هذه الأمور سندرك أن طلب موسى عليه السلام من ربه أن يجعل له وزيرًا قبل القيام بهذه المهمة الشاقة يدلّ على استيعابه الجيّد للمسألة منذ البداية بفطنته وفراسته العالية، وهذا أمر يجب علينا أن نقدّره فيه بدايةً.. وما حدث هو أن موسى عليه السلام قبل أن يتوجّه إلى قصر فرعون طلب من ربه أن يجعل له هارون وزيرًا، كما قال القرآن: ﴿وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي﴾ (سورة طَهَ: 20/29-32)؛ لأن هارون مقارنة بموسى عليهما السلام قد نشأ في مجال يتمتّع بحريّة أكبر بالنسبة لبني إسرائيل، ونظرًا لأنه جاء من نسل الأنبياء فلا بد أنه كان يخاطب قومه على الدوام ويحدّثهم عن الدين والديانة؛ بمعنى أنه كان إنسانًا لديه خبرة كبيرة في هذا الأمر.
كما أن في طلب موسى عليه السلام جانبًا نفسيًّا؛ لأن الإنسان عادة ينزعج إذا واجه وحده كبيرًا من الكبار، فيتعسّر في التعبير عن مقصده، ولذا طلب موسى أن يكون معه مساعدٌ ينصرُه ويدعمه؛ حتى يستطيع أن يمهِّد لدعوته ويعبِّر عنها أفضل تعبير.
وبعد أن ألقينا نظرةً عابرةً على الجوانب الرئيسة في قصة موسى عليه السلام يمكننا أن ننتقل إلى الناحية الخاصة بنا في هذه المسألة، ونقرر ما يلي: إن قيام أصحاب المهام العظيمة والمسؤولين والإداريين على اختلاف المستويات باتخاذ مستشارين حصفاء لهم يسدّون نقصهم ويقوِّمون خطأهم؛ هو أمرٌ يقتضيه العقل والمنطق والفراسة والفطنة.
اختيار المستشار
ولكن ننوّه على الفور بأن اتخاذ الإنسان مستشارًا له وإن كان مهمًّا فالأهم هو الأوصاف والسمات التي لا بد أن يتحلى بها هذا المستشار؛ لأن الخطأ في القيام بهذا الأمر يجعل ضرر المستشار أكثر من نفعه؛ إذ لا بد أن يتّسم المستشار الذي وقع عليه الاختيار بمزيد من الحصافة والدهاء، ولا يكن كهامان وزيرِ فرعون الذي كان يقرّر كل أفعاله ويتغاضى عن جميع أخطائه، بل يجب أن يتحلّى بأسلوبٍ حكيمٍ يوجّه من خلاله مخاطبَه دون أن يؤذيه، ثم لا يغضّ الطرف حتى عن أدنى خطإ قد يقوم به، ولو كان وطْءَ نملة، أما أن يحيط الإداري نفسه بمستشارين يصمتون أمامه صمتَ هامان على قول فرعون لقومه: ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾ (سورة النَّازِعَاتِ: 79/24) بل ويؤيدون ما يفعله تزلُّفًا إليه وتقرُّبًا منه فلا جرم أنه بذلك يمهِّد لهلاك نفسه.
والأدهى من ذلك إذا حاول هؤلاء المستشارون استغلالَ مكانة رؤسائهم ومناصبهم في تأمين مصالحهم الشخصية، فإنهم حينذاك لن يغامروا أبدًا بخسارة مواقعهم؛ ومن ثمّ سيحاولون أن يظهروا أمام مديريهم لطفاء ظرفاء، بغية كسب حبّهم وثقتهم على الدوام، ولذلك يقدّرون كل ما يقوم به هذا المسؤول من أعمال وإن كانت تافهة، ويؤولون كل كلامه وإن كان سلبيًّا.. الخلاصة أنهم يفعلون كل ما بوسعهم للحفاظ على مناصبهم التي تضمن لهم تحقيق مصالحهم ودوامها.
ولا شكّ أن هؤلاء وأمثالهم هم السبب المباشر في زيغ المسؤول وضلاله مع مرور الوقت بسبب ثنائهم ومدحهم المستمر له، فيُدخلونه في قالب غير قالبه، ويلبسونه لباسًا غير لباسه، عندها يبدأ هذا المسكين مع الوقت يرى نفسه مختلفًا ومتميزًا عن الجميع؛ لأن الإنسان يغويه المدح والثناء.
دائرة الحجبة
من جانب آخر فإن هذه النوعية من الناس ذات الأرواح المظلمة تشكِّل مع الوقت حجابًا أمام الإداريين، وتحجب الأصوات القادمة إليهم عن الوصول إلى المركز، وكلما أتى صوت من اليمين أو الشمال اصطدم بهم وارتدّ إلى الوراء، ولا يُسمع إلا صدى صوتهم؛ حيث إن هؤلاء يشكِّلون حول الشخص الذي جعلهم مستشارين له هالات كالهالات التي تحيط بكوكب زحل، فإذا ما لاحت فكرة لامعة وحاولت الوصول إليه اصطدمت بداية بهذه الهالات المظلمة وتغير لونها، وبالتالي يتراءى الصالحون الأخيار نقاطًا سوداء أمام ناظريه، بل ولو حاول بعض الأشخاص الذين يسيرون على نهج الأنبياء إسداء النصح والإرشاد له كما هو الحال في الرسالات السماوية اعتبر ما يقومون به جدلًا يهدف إلى خداعه؛ لأن مقاييس القيم تختلّ مع الوقت نتيجة التوجيهات الخاطئة، فيبدأ في رؤية الصحيح معوجًّا والأعوج صحيحًا.
وكما هو معلوم كان المعاونون والمديرون -أو المستشارون بالاصطلاح الحديث- بمنزلة وسطاء للسلطان في الدولة العثمانية، فكان الحكام يستشيرونهم في كل ما يعترض الدولة من مشاكل وأزمات، وكانوا هم أيضًا يشكلون درعًا حصينةً للسلطان إزاء المخاطر التي قد تأتيه من الخارج، وبذلك قاموا بمهام عظيمة خلال الآونة التي كانوا يتسمون فيها بالخير والصلاح.. وإلى جانب ذلك لم يمثلوا أدنى عقبة أمام وصول مطالب الشعب واحتياجاته للسلطان أو إيصال مقترحات ووصايا أعيان المجتمع وأشرافه إليه دون غضاضة.
وبالنظر إلى تاريخنا القديم والحديث نجد أن الوضع قد اختلف عن ذي قبل، فمع الأسف أخذت “دائرة الحجبة” تشكل عائقًا وسدًّا منيعًا بين الحاكم والمحكومين، ولا تسمح للأصوات التي تتناهى من الأسفل أن تصعد إلى الأعلى دونما انكسار، وخاصة بعد أن تحلّق المراؤون والنفعيّون في بعض الأوقات بالمسؤولين في الدولة تحت أسماء وألقاب مختلفة مثل مستشار ومعاون ومدير عام وحارس، وحاولوا بِرِيائهم التودّدَ إليهم وكسب ثقتهم، وبالتالي توجيههم إلى الخطإ، فلم ينقلوا أفكار الآخرين ومشاعرهم إلى المسؤولين بشكلٍ صحيح، بل حرّفوا الكلام وفقًا لأهوائهم، وبذلك خدعوا حكامهم وخانوا شعوبهم، والحال أن المسؤول في الدولة لا قبل له بمعرفة سرائر المحيطين حوله ونياتهم الحقيقية وإن كان وليًّا عظيمًا، ولا يستطيع أن ينأى بنفسه عن دسائسهم وحيلهم.
السلطان عبد الحميد الثاني هو من أكثر الأفراد الذين أحمل في قلبي لهم محبة خالصة؛ إذ لما كنتُ في الرابعة أو الخامسة عشرة من عمري أقمت مع المقدّم “مدد أفندي”، وهو شيخٌ في الثمانين من عمره، كان يعمل معاونًا للسلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله، واستمعت منه إلى خصال وفضائل السلطان عبد الحميد المتعدّدة، ومنذ ذلك الحين والسلطان عبد الحميد يمثِّل في داخلي صرحًا من الحب؛ ولهذا لا أسمح بالتطاول عليه، رغمَ أنّ عددًا من المثقفين والأدباء الذين عاصروه قد اتخذوا ضده موقفًا معارضًا، فمثلًا الشاعر محمد عاكف هو أيضًا من أكثر الذين أحبّهم وأكنُّ كلَّ تقدير لهم، لأنه كان إنسانًا صادقًا مخلصًا لا يعرف الرياء، ولم يتطلع إلى أي عرض من أعراض الدنيا قط، ولكن لم يكن الاثنان على توافق فيما بينهما، فمن المعلوم لدى الكثيرين أن محمد عاكف قد كتب قصيدة مناهضة للسلطان عبد الحميد، وكذلك كان موقف العلامة “محمد حمدي يازِرْ” أحد المفسرين المعدودين في تاريخ التفسير، والذي برع في الجمع بين الدراية والرواية.
وفي رأيي أن أهم الأسباب التي دعت مثل هذه الشخصيات العظيمة في وقتها إلى اتخاذ هذا الموقف المعارض هو “دائرة الحجبة” التي كانت تحيط بالسلطان عبد الحميد، حيث كانوا يحولون دون وصول أفكار ومشاعر المثقفين الصاعدة من الأسفل إلى السلطان، بل إن أنقى الأصوات والكلمات كانت تتحطم وتختلّ قبل وصولها إليه، ولذلك لم يستطع السلطان عبد الحميد أن يرى حقيقة ما يجري، ولعله وجِّه من قِبل هؤلاء إلى الخطإ وضُلِّل؛ فلا يستطيع الإنسان ولو كان وليًّا من أولياء الله أن يعرف حقيقة غيره طالما لم يُطلِعه الله على ذلك.
الاستعمال وفقًا للكفاءة
وبما أن دائرة الحجبة لها أهمية بالغة في القيادة والإدارة فينبغي أن يكون بجانب الإداري معاونون صالحون يحضّونه على الخير ويمنعونه من الشر، ويقع على عاتقهم من ناحية أن يقدموا الحلول للمشاكل التي تعترضهم والمصاعب التي تقابلهم، ومن ناحية أخرى أن ينقلوا المقترحات أو الشكاوى التي يتقدم بها الشعب إلى المسؤولين بشفافية دون تدخل منهم.
وهذه مع الأسف من أهم المشاكل التي نقابلها في عصرنا الحاضر، فلقد بات هؤلاء لا يستمعون إلى أفكار الآخرين ولا يأخذونها على محمل الجد، بل وينقلونها بشكل خاطئ إلى من هم في الأعلى، ويتسبّبون في إصدارهم أحكامًا خاطئة، ونظرًا لأن المستشارين ومديري الأقلام الخاصة والحرس وغيرهم ممن يمثلون دائرة الحجبة يشكّلون حاجبًا بين الإداريين والمجتمع فإنهم يفصلون الإداريين عن المجتمع، ويحولون دون فهم الطرفين لبعضهما بشكل صحيح.. فالإداري لا يرى سوى الحشود التي تتجمع في الساحات والميادين وتهلل وتصفق له، والشعب لا يجد الفرصة للتعرف على الوجه الحقيقي للإداريين، ولذا لا بد أن يكون لدى دائرة الحجبة شفافية تامة وأن تُزال العراقيل التي تحول دون فهم كلا الطرفين لبعضهما البعض بشكل سليم.
فمن الأهمية بمكان جعل الكفاءة هي الأساس عند اختيار الفرد لمثل هذه الوظيفة؛ بمعنى أنه لا بد من النظر إلى التجارب السابقة لهؤلاء المرشحين وخبراتهم المعرفية وقدراتهم العملية، واستعمالهم وفقًا لذلك، علاوة على أنه لا يجوز أن تكون القرابة والصداقة هي أساس الاختيار، فرغم أن التعامل بمروءة مع الأقارب يعتبر فضيلة من الفضائل العظيمة إلا أنه لا تجوز محاباةُ أيٍّ من هؤلاء الأقرباء لتولِّي أي وظيفة إدارية ولو كانت الوظيفة مختارًا في قرية.. فهذه المسألة لا تخضع للمحاباة والمحسوبية، ولا يصح أن تكون صلات القرابة أو علاقات الصداقة أو المنافع والمصالح عاملًا موجهًا في هذه المسألة ألبتة، وإذا لم نراع الدقة في هذا الأمر ولم نستعمل صاحب الكفاءة وولَّينا أناسًا لا يفهمون في الأمر شيئًا لسبب ما؛ فقُلْ على الدولة السلام.
من جانب آخر فقد بات من الصعوبة بمكان أن يتجرأ هؤلاء المستشارون ويعترضوا على الأخطاء التي تصدر من رؤسائهم أو يحاولوا تصحيحها وإن كانوا أصحاب كفاءة، حيث بات هؤلاء لا ينظرون بعين ناقدة إلى ما يفعله هؤلاء الرؤساء نظرًا لتوطد العلاقات التي تقوم على أساس الصداقة والاحترام فيما بينهم، كما أن سعي هؤلاء للحفاظ على عملهم في الإدارة وعلى الوضع والمستوى الذي وصلوا إليه، بل وتَطَلُّعهم إلى مقامات أسمى وأرفع هو عامل مهم لعدم التعبير عن أفكارهم بحرية. أجل، إن هؤلاء الذين ينطلقون بناء على حسابات مستقبلية خاصة مثل نائب البرلمان الذي يتطلع إلى مقام الوزارة أو المستشار الذي يترقب اليوم الذي يصبح فيه نائبًا في البرلمان؛ من الصعب لمثل هؤلاء أن يعبروا عن الحقيقة أمام رؤسائهم، أو يتخذوا موقفًا معارضًا من الأخطاء التي يرونها، ولكن طالما يحافظ هؤلاء على مصالحهم ومنافعهم فستخسر الإدارة والنظام، وستخسر الأمة في نهاية المطاف.
من هنا ينبغي ألا يقتصر الإداريون على المستشارين والمعاونين الذين يحيطون بهم، وأن يستفيدوا من أفكار الذين يحبون دولتهم وينظرون نظرة شاملة إلى الأحداث وإن كانوا يخالفونهم في الفكر والسياسة؛ لأن مثل هؤلاء الناس لن يحاولوا الانتفاع من وراء هؤلاء الإداريين، ولن يعملوا لمصلحة الأحزاب. أجل، من المهمّ للغاية أن يؤخَذ بآراء هؤلاء الناس الذين ينظرون بموضوعية إلى هذه القضايا قبل أن تُخطَى أيُّ خطوة تتعلق بمواطني الدولة على الأقل.
الجانب المتعلق بأرباب الخدمة في هذه المسألة
إن حصر المسائل التي عرضناها آنفًا والتي تتعلق بتعيين المستشارين ودائرة الحجبة على إدارة الدولة فقط هو تضييق للأمر، فهذه الأمور تنطبق على كل من يعمل في الإدارة والتوجيه في أي مكان وعلى كل المستويات، ومن هنا يمكن القول إن المبادئ التي ذكرناها سلفًا تسري أيضًا على الذين يخدمون في سبيل الله.. فرغم عدم وجود دائرة للحجبة بين أرباب الخدمة كالتي في إدارة الدولة فقد يقوم بعض الأشخاص باتخاذ بعض الأبنية الشبيهة بها في المقامات والمناصب التي يديرونها، ويضعون عوائق وحجبًا بينهم وبين من يعملون معهم، فيؤدي ذلك إلى وجود نوع من الخسوف والكسوف بينهم وبين الآخرين؛ حيث لا شيء يبدو أمامهم حينذاك ظاهرًا واضحًا، ولا يستطيع العاملون معهم في الخدمة أن يصلوا إليهم ويبثوهم همومهم، والحال أنه يقع على عاتقهم أن يكونوا مُهيَّئين لاستقبال الجميع في كل زمان ومكان، وأن يستشيروا الآخرين في كل أمورهم.
ولهذا يجب على كل من يتولى أمرًا كأن يكون مسؤولًا عن مؤسّسة ما كالمدرسة أو السكن الطلابي، أو ممثِّلًا لأي نشاط خدمي أن يتّخذ لنفسه معاونين يقوّمونه إذا انحرف، ويصحّحون خطأه إذا أخطأ دون أن يتخلوا عن الرفق والحكمة في التوجيه، كما على الأشخاص الذين يشاركونه الدرب نفسه أن يتحلوا بالاستقامة والشجاعة، ويتمثلوا ما نُسِبَ إلى بعضِ الصحابة في خطابِ سيدنا عمر رضي الله عنهم أجمعين: “لو علمنا فيك اعوجاجًا لقوّمناك بسيوفنا”.
فإذا كان سيدنا موسى عليه السلام وهو المؤيَّد بالوحي يطلب من ربه أن يشاركه هارون عليه السلام في أمره حتى يسانده ويؤازره في دعوته فالأولى بنا نحن أن نحرص على هذا الأمر؛ لأنه لا أحدَ منا مؤيدٌ بالوحي، ولا نحن أصحاب فطنة كالتي يتصف بها الأنبياء، ولهذا يجب علينا أن نتخذ مستشارين صالحين يدعمون منطقَنا بأفكارهم المفيدة النافعة، إذ إننا بأمسّ الحاجة إلى أن نتّخذ هذا الأمر أساسًا في كل مناحي حياتنا، فإن نجَحْنا بذلك فلن ننهزم لضعفنا ولن نُغلب بسهولة.