سؤال: عندما ننظر إلى التاريخ نرى أنه حين ظهرت القضايا الكبرى على الساحة تعذّر على الجميع إدراك قيمتها بالقدر اللازم، وتعذّر فهمُ ممثليها بالقدر الكافي.. فما أسباب ذلك؟
الجواب: لا يمكننا التعميم في هذا الأمر إلا أن مصير الكثيرين كان هكذا بالفعل.. لقد تعذّر التعرف عليهم خلال الفترة التي عاشوها، حتى إن من نشؤوا معهم في البيئة نفسها، وتحلّقوا معهم على ذات المائدة عانوا من حجابٍ نشأ عن شدّة قربهم منهم، وأُصيبوا بمرض العجز عن رؤية ما هو قريب.. ومن المؤسف أن الكثيرين منهم لم يستطيعوا التعافي من هذا المرض، وفي حياة الرسل والأنبياء وكذلك في حياة أتباعهم المخلصين العديدُ من الأمثلة على هذا.. بالطبع ليسوا كلهم بنفس المستوى، فهناك فوارق نسبية؛ فبينما كان هذا الوضع بشكلٍ بسيط نسبيًّا لدى بعضهم، تُرك البعض الآخر منهم للوحدة حيث جُرِّدوا من المجتمع الذي يعيشون فيه بأكمله.
فبالنظر إلى حياة مفخرة الإنسانية وخاتم سلسلة النبوة صلى الله عليه وسلم نرى كيف عُزل وأُقصيَ لا سيما في السنوات الأولى من البعثة؛ فكانت نظرة مشركي مكة إليه صلى الله عليه وسلم لسنوات عديدة على أنه “يتيم أبي طالب”، وكانت نظرتهم إليه المبنية على أنه الطفل أو الشاب الذي شاركوه الشوارع والجادات نفسها؛ تمنعهم من رؤية الحقيقة.. فلم يتمكنوا من رؤيتها رغم قربهم منها.
المنافسة بين الأقران
من جانب آخر هناك شعور المنافسة بين الأقران، ينبغي للإنسان أن يكون كاملًا كي يتمكن من تقبل مميزات وفضائل أقرانه، لقد كان العلماء من السلف الصالح إذا درّسَ أحدهم طلّابه كتبًا معينة، ووصل معهم إلى نقطة محددة من التربية والتعليم يقول لهم: “يا أولادي! لم يبق شيء آخر تأخذونه مني، هناك شيخٌ في مكان كذا، عليكم أن تلتحقوا بدروسه من الآن فصاعدًا”.. إن مثل هذا التصرّف مهمٌّ للغاية من أجل دحر شعور التنافس، وقطع الطريق أمام شعور التناطح أو عدم إفساح المجال للحسد، بالإضافة إلى أن هذا يؤدّي إلى أن تترسخ وتستقر أخلاق العلم بين العلماء.
لقد طُبق مثل هذا النوع من الممارسات في التكايا والزوايا أيضًا، والتي هي أماكن الترقي إلى مستوى حياة القلب والروح، ولنفترض أن سائرًا إلى الحق دخل في هذا الطريق ووصل إلى مقام “السير إلى الله” على يد شيخه، فإن كان الشيخ لا يستطيع أن يرقى بمُرِيدِه إلى مقامات “السير في الله” و”السير مع الله” أو “السير عن الله”، ويستحيل عليه أن يُريه هذه الآفاق، ولا يقدر على توفير الزاد والمؤونة اللازمة له في هذا الطريق قال له بكل سهولة: “بُنيَّ! إنني لا أستطيع أن أحملك إلى أبعد من ذلك، هناك مرشد كامل في مكان كذا، اذهبْ إليه وتَتلْمَذْ على يديه”.
إن مثل هذه التصرفات المنصفة والنابضة بالحق ستمنع تلك المشاعر السلبية المذكورة آنفًا.
أولئك العظام الذين تعذرت معرفتهم في زمانهم
من الصعب بالنسبة للناس أن يستطيعوا التصرف بعدلٍ وإنصاف، ولا سيما إزاء أشخاص مختلفي المشارب والمسالك؛ فأحاسيس الغيرة بين هؤلاء الأشخاص يمكن أن تظهر أكثر، فقد يشعرون بالانزعاج ممن هم أكبر وأعظم منهم، وقد وقعت مثل هذه الأحداث بشكل متكرّر في التاريخ.
فعلى سبيل المثال يمكن القول إن الإمام الغزالي لم يتسنَّ له أن يُعرف في عصره هو بما يليق بقدره وقيمته، حتى إن البعض اعتبروه مبتدعًا، وتعرّض لنقد العديد من معاصريه.
عندما نرجع إلى الوراء وننظر إذ بنا نسمي الإمام الرباني بـ”مجدد الألف الثاني”، إلا أنه هو الآخر لم يُعرف بالقدر الكافي في زمانه هو، حتى إنه أُلقي في السجن، وتعرض لكل أنواع الصعاب، ولا يمكن القول إنّ “شاه ولي الله الدهلوي”، ومولانا “خالد البغدادي” وهناك الكثيرين غيرهم قد قُدروا حق قدرهم في الفترة التي عاشوا فيها.
إننا اليوم نقرأ مؤلفات الدكتور “محمد إقبال”، مثل: أسرار الذات، ورموز نفي الذات، ورسالة المشرق، وجاويد نامه.. ولا يمكننا أن نمنع أنفسنا من قول: “ليت هذه الأفكار العميقة عُرفت في زمانها، لو أن ذلك قد حصل لجاء صداها مهمًّا للغاية في بلاد الهند، ولكانت تعني أشياء مختلفة جدًّا”.. المؤسف أن المجتمعات تعجز عن التصرّف بشكل منصف بالقدر الكافي إزاء الرسل والأنبياء الذين ظهروا من بينهم، وكذلك العديد غيرهم من الذوات والأفكار العظيمة أيضًا.
وعندما ننتقل إلى يومنا هذا يتعذر القول كذلك إن الأستاذ بديع الزمان سعيد النورسي كان معروفًا من قبل معاصريه، فكم عالمًا من العلماء المشاهير وقف إلى جانبه وسانده؟ لم يبرز من بين علماء الإلهيات ولو حتى بضعة أشخاص يدافعون عنه، ولو أن المتخرجين في المؤسسات التعليمية آنذاك مثل الجامعة أو مدرسة الوعظ التي خرّجت علماء ذلك العصر ساندوا هذا الإنسان ودعموه؛ لكان تأثير الخدمات التي أنجزها أكثر وأعظم؛ فمثلُ هؤلاء الأشخاص يُصبحون قادة الرأي في المجتمع، وترقُبُهم الأمة، وتحترم ما يقولونه.. ولو أنهم أيقظوا الضمير العام لخزينة الكنوز التي قدمها بديع الزمان لكانوا سببًا في تطورات عملاقة، ولتدفق في دفاتر حسناتهم الثوابُ الناتج عن الخدمات التي سينجزها الخَلَفُ انطلاقًا من هذه الأعمال.
إننا بينما نقول هذا ينبغي ألا ننسى مَنْ ساندوا هذا الإنسان مثلما فعل الحواريون، واستماتوا في دعمه واعتبروا السجون وكأنها من رياض الجنان، إنهم حقًّا أناسٌ لا يمكن تعويضهم وملء فراغهم، غير أن عددهم لم يكن كبيرًا، إن عددهم لا يتجاوز أصابع اليد.
وهنا يمكننا أن نسأل أنفسنا السؤال التالي: على الرغم من مرور أكثر من نصف قرن منذ ذلك الحين، هل تمكنا من التعرف بحق على هذا الشخص والبنية الفكرية التي قدمها؟! من يدري، ربما سيكون من نصيب الأجيال القادمة أن تعرفه وتفهمه بالوجه الذي يليق به.. إن من أقاموا خيامهم في الأماكن التي أشار إليها، ومن واصلوا حياتهم في فلك القضية التي وضع أساسها سوف يتعرّفون على هذا الإنسان بخدماته وأعماله النفيسة التي خلّفها، وإنني لآمل أن يتمّ على يد هذا الجيل المشرق القادم إنجازُ المهمة التي ينتظرها هذا الشخص.
وهذا يعني أن مصير الكثير من القضايا والأفكار العظيمة وكذلك ممثليها كان عدم الاعتراف بها من قِبل معاصريها، فإن بعضها لم يُعرف تمامًا، والبعض الآخر قد عُرف ولكن ليس بالقدر اللازم.
كذلك لا يمكن القول إن المسيح عليه السلام لاقى حسن القبول بالقدر الكافي في فترة حياته، فعندما اقتُحم منـزله عنوةً عليه السلام كما تُقتحم أوكار قطّاع الطرق؛ لم يخرج أمام هذه الحشود عشرةٌ من أصحاب المروءة فيفتحون أذرعهم كما المقصّ ويدافعون عنه قائلين: “توقفوا، هذا طريق مسدود!”.. فبعدَ أن رحل من بينهم فحسب؛ بدأ الناس يقدّرون قيمته ويركضون من خلفه في حشود كبيرة، وكان لا بد من أن تمر عدة مئات من السنين حتى يتم الاعتراف بدينه رسميًّا من قبل الدول، إلا أنه قد أُفسد في هذه المرّة لونُ ونسقُ هذه الرسالة التي جاء بها؛ وفي حين اجتُزئَت منها بعض الأشياء وحُذِفت، أُدخلت فيها كذلك بعض العناصر الأجنبية التي تنتمي إلى الوثنية الرومانية.
إن مَنْ يتجول بين صفحات التاريخ بخياله ربما يقع في تساؤلات مختلفة إزاء مثل هذه النماذج من الغدر والخيانة، وربما يقول “لماذا لم يُقدَّر فلانٌ حقَّ قدره؟”، أو “لماذا لم يتمكن الأشخاص المحيطون بفلان، والذين يأخذون مكانهم في الصف الأول إلى جواره من أداء واجباتهم الواقعة على عاتقهم؟”، إن تحمل هذه المسؤولية التاريخية ودعمها لم يكن مُيسَّرًا للجميع.
الارتباط العقلي والمنطقي
هناك نقطة مهمّة بخصوص هذا الموضوع يُستَحْسَنُ الوقوف عندها، ألا وهي أن بعض العلماء الكبار كان لهم محبُّون بالآلاف والملايين، وبالطبع فإن مثل هذا الارتباط لا يُستهان به، فرابطة المحبة والرابطة العاطفية لها قيمتُها، ولكن المهم في الأساس هو عدم ترك هذه الرابطة في مستواها العاطفي بل رفعها إلى مستوى العقل والمنطق.. وبلفظ آخر فيجب ملءُ فراغات الرابطة العاطفية وإحكام وتقوية تلك الرابطة بالعقل والمنطق، وحينما يحدث ذلك ستكون رابطة العلاقة والمحبة دائمة.
ودعونا نحاول فهمَ المسألة من خلال مثال آخر، مثلًا نحن مطالَبون بحب الله عز وجل، ونحن نعبر عن هذا الحب من خلال وسائل متنوعة، ولكن الأمر المهم هنا هو معرفة الأسماء الحسنى والصفات السبحانية للذات الإلهية وتجلياتها في عالم الوجود والتعريف بها، والعلماءُ الكبارُ من أمثال الإمام بديع الزمان سعيد النورسي والإمام الرباني والإمام ابن عربي حاولوا القيام بهذه المهمة كلٌّ بحسب أفقه وزاوية مشاعره، وذلك لأن العلاقة والمحبة المتولدة من المعرفة المبدئية، قد لا تكون كافية بالنسبة لمرحلة انفتاح الأفق والمراحل التي تليها، ولذلك فيجب ملء هذا الفراغ الحاصل وبهذا الشكل يتم تقوية العلاقة والارتباط الشعوري بالمنطق والمحاكمة العقلية، والإنسان الذي يقوم بهذا يعرف أسباب المحبة، ويستطيع أن يقول: “إنني أحب فلانًا لهذه الأسباب..”، وكلّما مرَّ يومٌ يتفكّر في الأسباب الداعية لحبّه فيقوي هذه الرابطة وينطلق معرّفًا بها بصوتٍ جهوري.
ونفس الأمر ينطبق على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالصحابةُ هم أولئك الذين عايشوه صلى الله عليه وسلم، وعرفوه عبر معاني رسالته التي حملها، فأحبوه وأوقفوا أعمارهم في سبيله صلى الله عليه وسلم، وواجهوا الصعاب بصدورهم، وثبتت أقدامهم، وقويت جذورهم الفكرية والعاطفية لدرجة أنهم أمام الحوادث العُظمى لم يهتزوا ولو هزة صغيرة.. أما أولئك الذين اكتفوا منه صلى الله عليه وسلّم بعلاقة عاطفية شعورية، ولم يدركوا رسالته حقَّ الإدراك فهؤلاء الذين سقطوا في حوادث الردّة.
والأمر المهم هنا، هو أن نجعل العلاقة التي تربطنا بالعلماء الكبار علاقة مؤسسة على أرضية قوية، وإلا فالعلاقة الشعورية العاطفية الفارغة من الداخل لن تصمد طويلًا، وإذا عرفنا هؤلاء العلماء من خلال أفكارهم وكتبهم وآفاقهم العالية، فستكون العلاقة التي تربطنا بهم علاقة دائمة، فالارتباط الدائر في فلك العقل والمنطق لن يقلل من محبتهم بل سيزيدها.
وكما يُرى فإننا لا يمكننا أن نجعل الذين يُحبُّون الرسولَ صلى الله عليه وسلم ومَن بعده من كبار العلماء على نفس الدرجة، فبعض منهم يرتبط ابتغاء إلحاق النسبة به ويتصرف بأنانية الجماعة، وبعض آخر يتخذ موقفًا ابتغاء منفعة يريد تحصيلها، والبعض الآخر يتحرّك وفقًا لسيكولوجية الجماهير، بمعنى يتحرك حسبما يتحرك الناس حوله، لكن هناك بعضٌ آخر يتدارسون كتب هذا الشخص ومؤلفاته، ويحاولون التعمق في الأفكار الواردة بها فيضعونها تحت منظار المنطق والمحاكمة العقلية، أما كلماته وأفعاله فيستقبلونها بقلب واسع ووجدان رحب فيشعرون بها ويدركونها تمامًا، وكل هذا يدعم ثقتهم ويقوي ارتباطهم.
خدعة شيطانية
قسمٌ آخر من المسألة أنه لم يكن للأنبياء الكرام عليهم السلام ولا كبار العلماء من الدعاة أيَّ غرضٍ دنيوي وراء دعوتهم، ولم يشتكوا من أنهم لم يُعرفوا أو يُفهَموا على الوجه الصحيح، ولم يخاصِموا أحدًا لم يقدر قيمتَهم، فهم بدلًا من الانشغال بذلك ركّزوا جهودهم على أداء وظيفتهم ومهمّتهم، وفعلهم هذا ينبغي أن نتّخذه مثالًا نقتدي به، فالعلماءُ الكبار الذين كتبوا كتبًا ونشروا أفكارًا وقاموا بفاعليات أثرت إيجابًا في عصرهم وفي العصور اللاحقة -رغم أنهم لم يعرفوا ولم يفهموا بالوجه اللائق- داوموا على طريقهم بنفس العزم وكأنّ شيئًا لم يحدث، أما بالنسبة لنا ونحن العاديون فمن الممكن والأولى ألا نُفهم أو نُعرف، ويجب ألا يكون هذا الأمر معرقلًا لنا، وألا نقعَ في الخصام والاستياء، بل الواجب علينا هو المداومة على خدمتنا بنفس السرعة والعزيمة.
إن الخطوات التي تكون في سبيل الله لا يمكن أن يستهان أو يستخف بها، بل إن عملًا صغيرًا بمقدار قطرة سيصير مع الوقت بحرًا، وفي يومنا الحاضر فالجهودُ التي يقوم بها من نذروا أنفسهم للتعريف بالله ورسوله في أرجاء المعمورة تستحقُّ التقدير، وذوو العقول والناظرون للمسألة بإنصاف وجداني يعترفون بقيمة وقدر الفاعليات المقامة، بل إن بعضهم عبّر عن رغبته في المساهمة بتلك الفاعليات، إن خدمة الإيمان والقرآن تشبه حملَ كنـزٍ ضخم، ووظيفتُنا تجاه الأيادي المسارعة للمساعدة في حمل هذا الكنـز، هو إجابتهم بالشكر والعرفان.
كما أن المرضى بأنواع مختلفة من الأمراض النفسية مثل الكبر والعناد والحسد وإصدار الأحكام المسبقة، يواجهون الأعمال الحسنة، بل وبحسب الواقع فإنهم يضعون الحواجز أمامها، ومن الحقيقة المرة أن فئةً حاولت عن قصدٍ تشويهَ الفاعليات الحسنة ونسبت إليها ما هو بعيدٌ عنها ولا يمكن تخيُّله معها، وكل هذا قد يكون منشؤه الأصلي وسببه الرئيسي هو الجهلُ؛ لأن الإنسانَ عدوُّ ما يجهل.
إن التغافل عن كل هذه الأمور وعدمَ الشعور بالأسف أمرٌ ليس بيد الإنسان، لكن يجب علينا ألا نفتح المجال للشيطان ليخدعنا، فالشيطان قد يأتي للإنسان من جهة اليمين، ويدخل ليوسوس لنا بحجّة أن قدرَنا وقيمَتَنا غير معروفين، ويعرض لنا الجموع الشاخصة أمامنا بشكل مخالف عمّا هي عليه، فيشعرنا بالاستياء من إنسان عصرنا ومخاطبنا الذي لم يتلهّف لما نقوم به من خدمات ويتلقّفها بالقبول، وقد يقول: “لماذا هؤلاء لا يرون الساعين من أجل تحقيق المشاريع الهامة على مستوى العالم؟”، وقد نتّهم مخاطبينا بأنهم غيرُ أوفياء وبلا حسٍّ ولا مشاعر، وحينها يدفعُنا لإظهار مشاعر الامتعاض والاستياء.
وهكذا وفي أحيان كثيرة فعلينا متى ما شعرنا -دون وعي منّا- بخيالات وتصورات وأمور عالقة في الذهن ألا نطلق لها العنان، بل نسيطر عليها مباشرة عبر الإرادة، وعلينا أن نقول: “إذا كان هناك من لا يعرف قدر وقيمة أمثال الإمام أبي حنيفة، والإمام أحمد بن حنبل، والإمام الغزالي، والإمام الرباني؛ فمن نكون نحن حتى نُعرف؟!”، أما إعراض الناس عنّا فيمكن إرجاعه إلى تقصيراتنا وذنوب أنفسنا، بل علينا أن نرى أنفسنا مستحقّين لما نقابله من مثل هذه الأطوار والتصرفات التي تؤلمنا وتؤذينا، وعلينا مواجهة أنفسنا ومحاسبتها.
أو علينا أن نقول: “من المحتمل أننا لم نستطع أن نشرح لهم بأسلوب سليم القيمَ التي نؤمن بها والطريق الذي نتبعه، أو أن مستوانا غير كافٍ حتى نشرح لهم الأمر، كان لا بد لنا أن نشرح لهم الأمر على مستوى أعلى”، فنحن لسنا بأنبياء حتى نستطيع أن نبلغ ما أمر به الحق سبحانه بنفس درجة نقائه وبهائه دون أن يذبل أو يتغير أو يفقد لونه، بل إن أوضح الحقائق عند مرورها بقلوبنا وألسنتنا قد تفقد لونها وبريقها، ولهذا السبب عند تعرضنا للفشل وللسلبيات علينا بدلًا من البحث عمن نتهمه أن نبحث في دورنا هل قمنا به كما يجب أم لا؟
وباختصار، فما نتعرض له من عدم وفاء علينا أن نجد له سببًا معقولًا، وألا نجعل هذه الأمور سببًا لتلويث عالمنا الداخلي، وعلينا ألا نساعد الشيطان والنفس على ملء عالَمِنا الذهني بالأفكار الملوثة، وألا تجرّنا إلى أودية خاطئة، بل علينا أن نتجرّد من تلك الأفكار مباشرة، وألّا نفسح لها المجال في أرواحنا ومن بعد ذلك تجعلنا نظهر العداء والاستياء لمن حولنا من الناس، إننا لا نقوم بهذه الخدمات لكي يعرفها أحدهم أو يراها، ولا من أجل نَيْلِ التقدير والتبجيل، إننا نقوم بها ويجب علينا أن نقوم بها فقط من أجل نيل رضا الله سبحانه، فمن بعد معرفته ورضاه سبحانه، لا يهم أن يعرفها الآخرون أم لا.
إن ما يقع على عاتقنا هو القيام بأداء وظيفتنا ومسؤوليتنا حق الأداء في هذه الحياة الدنيوية المؤقتة، وانتظار الـأجر والمكافأة من الله سبحانه فقط، أما معرفة قدركم وقيمتكم أو عدم معرفتها فلا أهمية له، وبعد قيامنا بعمل ما يوافق القرآن والسنة فلو وقفت الدنيا كلها أمامنا سيكافئنا الله سبحانه وتعالى على ما قمنا به، ولو أن الخدمات التي قمنا بها حازت على توجه الناس ففي هذه الحالة سيكون هذا لطف كبير ونعمة عظيمة من الله سبحانه وتعالى، ويتوجب علينا في المقابل حمد وشكر ربنا الرحيم سبحانه وتعالى.